السلام عليكم ورحمة الله.
مقدمة
بدون مقدمات، كلمة لمن يطلقون أوصاف الصحوجية والسلولية. لو سلمنا لكم جدلاً أن عامة مخالفيكم سلوليون منافقون، فهل عاملتموهم كما عامل رسول الله صلى الله عليه وسلم رأس النفاق عبد الله بن أبي ابن سلول؟ أليس شعارنا جميعاً الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم في المواقف كلها؟ إذاً تعالوا نرى كيف تعامل مع مشكلة ابن سلول.
تعامل الرسول صلى الله عليه وسلم مع ابن سلول
ارتباط ابن سلول بأجندة خارجية
ارتبط ابن سلول بأجندة خارجية، فقد روى أبو داود بإسناد صححه الألباني أن قريشاً كتبت إلى ابن سلول ومن معه تحرضه على قتال النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه. فهم ابن سلول أن يفعل، فلما بلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم لقيهم فقال لهم: "لقد بلغ وعيد قريش منكم المبالغ، ما كانت تكيدكم بأكثر مما تريدون أن تكيدوا به أنفسكم، تريدون أن تقاتلوا أبناءكم وإخوانكم؟" فلما سمعوا ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم تفرقوا. نعم تفرقوا ونزل فتيل الحرب.
خطاب سياسي من النبي صلى الله عليه وسلم جنب الدعوة مواجهة في غير أوانها. هذا مع أن النبي صلى الله عليه وسلم قد بلغه خبر تآمر ابن سلول من الكفار بيقين وليس بالاحتمالات. خطاب لو استخدم هذه الأيام لراهب الجهالة تمييعاً وإعطاء للدنية في الدين، إذ يرون أن لا قول إلا "قد جئتكم بالذبح" والتي إنما قالها النبي لكفار حرب.
همز ابن سلول ولمزه وطعنه
همز ابن سلول ولمز وطعن وحرض لا على جماعة من المسلمين لهم وعليهم، بل على رسول الله شخصياً. جاءه رسول الله يكلمه فقال له: "إليك عني، لقد آذاني نتن حمارك". فقال رجل من الأنصار: "والله لحمار رسول الله صلى الله عليه وسلم أطيب ريحاً منك". فغضب لابن سلول رجال من قومه فكان بين الطرفين ضرب بالجريد والأيدي والنعال. فأنزل الله: {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحجرات: 9]. والحديث متفق عليه.
فالذين غضبوا لسب ابن سلول سماهم الله مؤمنين، نعم مؤمنين مع أنهم تعصبوا لمن آذى رسول الله صلى الله عليه وسلم. لكن الله تعالى يعلم أنهم حديثو عهد بإيمان، لم يتخلصوا بعد من رواسب الجاهلية، فلا زالوا يتعصبون لابن سلول مع حبهم لله ورسوله. ولم يسمهم الله ولا رسوله من أجل هذا الموقف صحوجية ردة ونفاق.
فكيف بالآلاف المقاتلين بالشام الذين يتعصبون لقادتهم لقرابة أو اغترار بشعارات أو حداثة عهد بإسلام بعد عقود الظلام في ظل النصيرية؟ هؤلاء القادة عندكم كابن سلول، إذاً فكونوا لهم كالرسول.
دعوته إلى الله بلا أدب
دنا رسول الله من ابن سلول ومن معه يوماً يدعوهم إلى الله، فقال ابن سلول بلا أدب: "أيها المرء إنه لا أحسن مما تقول، إن كان حقاً فلا تؤذنا به في مجالسنا، ارجع إلى رحلك فمن جاءك فاقصص عليه". فغضب المؤمنون وكاد يقع قتال، فسكن النبي حتى سكتوا. فهذه ليست معركته الآن.
ثم لما شكى النبي هذا الموقف إلى سيد من الأنصار سعد بن عبادة قال له: "يا سعد ألم تسمع ما قال أبو حباب؟" والحديث رواه البخاري. فسمى النبي صلى الله عليه وسلم ابن سلول باسمه الذي يحب أن يسمى به على الرغم من انعدام أدب هذا المنافق. أفلا تسمون قادة حاربوا النصيرية ولهم أتباع يحبونهم بأسمائهم دون همز وإن وصفوك بما تكرهون؟ أهم عندكم كابن سلول؟ إذاً فكونوا لهم كالرسول.
لعل قائلاً يقول: كان هذا قبل تمكين النبي صلى الله عليه وسلم بمعركة بدر. طيب والمسلمون الآن ليسوا في تمكين، أتريد أن تنازعني في ذلك وتقول بل ممكن بالمفخخات والأحزمة الناسفة؟
بعد غزوة أحد وانسحابه
إذاً فتعال نرى كيف عامل نبينا ابن سلول بعد التمكين. خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لغزوة أحد فانسحب ابن سلول ومعه ثلث الجيش. ولا شك أن هذا ساهم في مصيبة أحد. فهل حرف رسول الله بوصلة النزاع وعاد من أحد يحمل ابن سلول مسؤولية المصيبة ويشحن النفوس ضده؟ أم أعرض عنه واستنفر المسلمين لحمراء الأسد ليبقوا منشغلين بالعدو الأخطر؟
فيا من تشكون من انسحابات بعض الفصائل وتقولون أدت إلى مصائب لن أدخل في نقاشها، وهل نسبت إليكم انسحابات أيضاً أم لم تنسب؟ أترونهم في ذلك كابن سلول؟ إذاً فعاملوهم كما عاملهم الرسول.
حادثة الشجار بين المهاجري والأنصاري
خرج النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة فتشاجر غلامان مهاجري وأنصاري واستغاث كل منهما بقومه. فقال ابن سلول: "أوقد فعلوا؟ والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل". فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم. فقال عمر بن الخطاب: "دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق". فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "دعه، لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه". والحديث رواه البخاري.
نعم، لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه. هذا وهو رسول الله بأبي هو وأمي، وكلمة ابن سلول كانت كلمة كفر أوضح من أية كلمة يقولها من تسمونهم اليوم سلوليين. والناقلون لهذه الكلمة ثقات، لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يريد أن ترتسم صورة سوداوية لدى الناس أن محمداً يقتل أصحابه.
فلما بلغ ذلك قوم ابن سلول الذين تعصبوا له بالأمس أكبروا ذلك من رسول الله، حتى إذا تكلم بعدها ابن سلول عاتبوه وأخذوه وعنفوه.
طعنه في بيت النبي صلى الله عليه وسلم
فكيف نأخذ بروايات الله أعلم بصحتها، ثم ما يبنى عليها الحكم بردة أو نفاق من أفراد أو قيادات في جماعة لا تساوي كلها لحظة من لحظات رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ثم لا يهمنا أن يقول الناس والإعلام والهوام والطغاة وصالح الجن وبهيم الأنعام أن المجاهدين يقتلون بعضهم، فتقر عين كل كافر وتنكسر نفس كل مسلم ويفقد الناس الأمل ويسيئون الظنون. هل المبرر أن هؤلاء سلوليون؟ إذاً فكونوا لهم كرسول الله لابن سلول.
طعن ابن سلول في بيت النبي صلى الله عليه وسلم، فخطب في الناس رسول الله قائلاً: "من يعذرني من رجل قد بلغني عنه أذاه في أهلي؟ والله ما علمت على أهلي إلا خيراً -عائشة- ولقد ذكروا رجلاً ما علمت عليه إلا خيراً وما يدخل على أهلي إلا معي". فقام سعد بن معاذ سيد الأوس فقال: "أنا يا رسول الله أعذرك، فإن كان من الأوس ضربت عنقه، وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك". فغضب سيد الخزرج سعد بن عبادة حمية أن يقتل أوسي ابن قبيلته الخزرجي، فرد عليه وثار الطرفان حتى كادوا يقتتلون ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر يخفضه حتى سكتوا وسكت. والحديث رواه البخاري.
يا قوم، إنه عرض رسول الله فداه أرواحنا، ومع ذلك سكت لئلا تكون فتنة بين المسلمين. ولم يروَ ولا حتى أنه عاتب سعد بن عبادة على الحمية التي فوتت حق النبي في الدنيا، ولا أنهم قال له: كيف تدافع عن رجل وقع في عرضي؟ إخواني ترون تويتات وتصريحات بعض خصومكم طعناً والله مهما بلغت لن تبلغ عشر معشار أذية ابن سلول لرسول الله صلى الله عليه وسلم في أهل بيته. أترونها تنم عن سلولية؟ إذاً فكونوا لأصحابها كرسول الله لابن سلول.
الدروس المستفادة والتطبيق المعاصر
استيعاب أصحاب ابن سلول
أيها المسلمون، أيها المسلمون المتعجلون لصحوجية وسلولية خصومكم، هذا قدوتنا رسول الله صلى الله عليه وسلم رتب الأولويات ولم يحرف بوصلة الاهتمامات ولم يفتح على نفسه ألف باب. هذا رسول الله لم تكن مهمته وضع لواصق السلولية على الناس ثم قصفهم بالتكفير، بل استوعب أصحاب ابن سلول ومؤيديه حتى انفضوا عنه وسحب البساط من تحت رجليه وعزله اجتماعياً. فمات ابن سلول بهدوء ولم تبك عليه سماء ولا أرض، بل ذهب إلى مزبلة التاريخ بينما بقيت دعوة النبي صلى الله عليه وسلم خالدة إلى يوم الدين.
وفي كل ذلك يقر الله رسوله ولم ينهه عن تصرفه مع ابن سلول إلا حين صلى عليه فنهاه عن الصلاة على مثله. وهذا كان فعل النبي مع طائفة منافقة يعلم أنها تكيد للإسلام وأهله عمداً، فكيف بفصائل أكثر من فيها نحسبهم يريدون خدمة الإسلام ولاجل ذلك يجاهدون؟ أفلا يستمالون برفق ورحمة إن أخطأوا وانحرف بعضهم في مساره؟
وكل هذا التعامل من النبي صلى الله عليه وسلم لم يمنعه أن يقيم دولة الإسلام ولا قدم من أجل ذلك التنازلات. هذا رسول الله لم يتعجل الصدام قبل أن يتمكن الإيمان من القلوب ويخرج حب ابن سلول شيئاً فشيئاً من قلوب أهله وعشيرته حتى ابنه عبد الله بن عبد الله ابن أبي الذي كان من خيار المؤمنين.
عدم التعجل في الصدام
هل كان رسول الله ليقيم ابن سلول بحجة ألا يستفحل خطره لأنه صحوجي سلولي؟ فيجلب إلى دائرة الصراع مؤمنين لا زالوا يتعصبون لابن سلول فضلاً عن ضعفاء إيمان يرجى الخير في مآلهم، ثم يستعدي النبي من بعيد أقرباءهم وأنسابهم وأصدقائهم وجيرانهم، ثم يستدل على حق منهجه بكثرة الأعداء ويحمل الناس وزر صحوجيتهم وسلوليتهم ويشكوا إلى الله ظلمهم؟
أبدلاً من أن نستمل الناس إلى ما نراه حقاً ونستنقذهم من المتآمرين على الإسلام، نتفنن في التنبؤ بأنهم صحوجية ونتصيد على ذلك الزلات، ثم إذا زدناهم عنا نفوراً وقاتلنا وضعناهم المفسدين السلوليين حقيقة في بوتقة واحدة وهددنا بالسحق والمحق، ثم فجرنا المفخخات ولم نعزُ المصيبة لأنفسنا وممارساتنا، ثم بعد هذا كله ننتظرهم أن يستعينوا بالأعداء حقاً هروباً من شرنا؟ ليقول قائل: ألم أخبركم؟ ألم أخبركم أننا نمتلك حاسة سادسة أو سابعة لا يمتلكها غيرنا تشتم عن بعد الصحوجي، لكن لديه قابلية فتدفعه إلى الصحوة دفعاً ولو كان لها كارهاً وتزه إلى بئر العمالة أزاً، مبالغة في الاحتياط حتى لا يفلت منا؟
التحذير من التسرع في الحكم والتكفير
أقول هنا بصراحة تامة: لا أرضى عن عديد من تصرفات قيادات في فصائل إسلامية يصفها خصومها بالسلولية وصفاً جائراً، لكني مع ذلك أدافع عنها حين تظلم لأني أعلمها يقيناً خيراً من ابن سلول، بل ولا نسلم أبداً بأفضل من يستبيح دماءها ودماء جندها. فمن دخل الإسلام بيقين لا يخرج منه إلا بيقين. وإن كنا نخاف عليهم انحراف المسار في الأجل، فإن صحوجيتهم في العاجل أضر على الإسلام وأهله.
ومن رمى غيره بمثل هذه التهم وعمم وقتل على أساسها فليس محل تزكية وقبول حتى يدافع عن خصومه ويبرأ هو. إن كان أعداء الملة يريدون سلوليتها، فليست مهمتنا محاسبتها على مراد أعدائنا منها، بل استمالتها وتذكيرها إذ لا ينقطع الأمل فيها. فإن لم ننجح في هذه المهمة فليس أقل من أن نستمل أتباعها ونغلب فيهم إيمانهم على عصبيات لفصيل أو قياداتهم.
دعوة للمصالحة والوحدة
فيا أيها المصححون اتقوا الله ولا تقولوا فات الأوان بعد ما بدأ القتال. خصومكم يعرضون عليكم المرة تلو الأخرى كف القتال والاحتكام إلى كتاب الله والاجتماع مجدداً على حرب الكفار. لا تريدون معاملتهم كمسلمين، لن أناقش في هذا خروجاً من الجدل، وإن كان عامتهم عندنا مسلمين لا منافقين ولا كفاراً ولا سلوليين. إنما أقول لكم: هم عندكم أبناء سلول، إذاً كونوا لهم كما كان الرسول.
اللهم هل بلغت؟ اللهم فاشهد. يا رب وحد صفوف المجاهدين وألف بين قلوبهم. والسلام عليكم ورحمة الله.