مقدمة
السلام عليكم ورحمة الله. أحبة الكرام، تناقلت وسائل الإعلام حادثة قتل صبي في سوريا على اعتبار أنه تنقص من النبي صلى الله عليه وسلم. فنود في هذه الكلمة أن نبين طريقة تناول الإعلام لهذه الحادثة، والموقف الشرعي في التعامل مع الإعلام والأفعال المنسوبة إلى الجهاد والمجاهدين.
بداية إخواني، ومن قبيل التركيز، نقول: ما يظهر من المقابلات مع عائلة الصبي أن هذه الحادثة وقعت بالفعل، وأن أناساً يلبسون زياً مميزاً وينتسبون للجهاد هم من قتله، لأنه قال: "لو جاء أو نزل محمد صلى الله عليه وسلم ما بعطي بالدين".
فلن نناقش ثبوت القصة، كما أننا لن نشتت جهودنا بانتقاد تركيز الإعلام على الحادثة أكثر من جرائم نظام بشار، إذ أننا لا نرى هذه المقارنة رداً مناسباً. كما أن هذا ليس المقام المناسب لمناقشة حكم المتنقص من النبي صلى الله عليه وسلم، فهكذا نقاش يبدو إقراراً بنسبة القتل للمجاهدين ابتداءً.
التعامل الإعلامي مع حادثة قتل الصبي
التلبيس الإعلامي في نقل الحادثة
ماذا سنناقش إذن؟ أولاً: التلبيس الإعلامي في نقل الحادثة. فالمرصد السوري لم ينسب الحادثة في اليوم الأول إلى جهة معينة، ومع ذلك نشرت القناة الأكثر انتشاراً في المنطقة العربية على موقعها في النت الخبر مع صورة جنود من جبهة النصرة يرفعون راياتها، ضاربة على وتر الإيحاء النفسي ليقترن اسم النصرة بأفعال منفرة.
ثم أصدرت جبهة النصرة في حلب بياناً تنفي فيه أي صلة بهذا القتل، وتبين أنه عمل غير شرعي. ولم تكلف هذه القناة نفسها أن تنشر البيان هذا في اليوم ذاته الذي تنشر فيه هذه القناة نفسها على موقعها عمليات حركة أحرار الشام الإسلامية في تحرير كتائب في الرقة مع نسبتها إلى غيرهم بشكل متعمد واضح. وقد راجع إعلاميو الحركة هذه القناة وغيرها مراراً لغايات التصحيح، لكن هذه القنوات لم تجب ولم تصحح.
إذن، فإنجازات الفصائل الإسلامية تختطف إعلامياً، بينما ينسب إليها أفعال هم براء منها دون بينة. ويأتي هذا كله ضمن منظومة تشويه ممنهجة بعد وضع مجلس الأمن فصيلاً مجاهداً على لائحة الإرهاب.
دور الإعلام في تضليل الرأي العام
وكمثال على دور الإعلام في تهييج الرأي العام، في استطلاع للرأي أجري بعد أحداث سبتمبر (9/11) في 9/6/2003، أن نسبة المقتنعين بأن للنظام العراقي دوراً في الأحداث وصلت حوالي سبعين في المئة، من ثلاثة في المئة إلى سبعين في المئة! إنه الإعلام.
وفي الوقت ذاته، تجرم محاكم أمن الدولة في دول المسلمين من يشترك في منتدى جهادي تحت مسمى "الجرائم الإلكترونية"، وتعاقبه بالحبس لسنوات، حتى لا تسمع الرواية إلا من طرف واحد، ولا يتاح لك أن تسمع دفاع المجاهدين عن أنفسهم وما يقومون به من خير.
أسباب نشر أخبار إيجابية عن الفصائل
مع ذلك، لا يستغرب أن تقوم القنوات في منطقتنا أو مواقعها على النت أحياناً بنشر حقائق إيجابية عن الفصائل المجاهدة، إذ أن ذلك يحقق لها المصداقية لدى الناس لتتمكن من الزج بما تريد في الثنايا. كما أن المؤسسات الضخمة من هذا النوع توجد فيها تيارات متباينة فكرياً، لكن العبرة بالمسار العام. ومن العبث أن نظن أن البلد الذي توجد فيه أكبر القواعد الأمريكية ستتمتع بإعلام حر.
الفصائل الإسلامية عرفت عبر السنتين الماضيتين بنجاحها وقبول الناس لها في القضاء الشرعي، كما في مقاطع مبثوثة على النت، حيث كانت تستمع للشهود وتستعرض البينات في قضايا دون القتل، وسيرت أمر المناطق المحررة بالعدل كما لم تسيرها الأنظمة القائمة. فهل يتصور أن يقوم أفرادها بعد ذلك بقتل صبي ميدانياً هكذا دون مراعاة البلوغ والتكليف من عدمه، ولا استفصاله لمعرفة ما إذا كان كلامه انتقاصاً أم لا، ولا وجود الشهود، ولا انعقاد القضاء، ولا مراعاة لحالة الحرب وعدم التمكن، والمفاسد الكبرى الناتجة عن هكذا قتل؟
لماذا لم توضع الحادثة في سياق نجاح الفصائل الإسلامية عبر الفترة الماضية في التعامل مع المخالفات ودقتها في القضاء الشرعي، حتى يعلم أنها لا تقدم على عمل كهذا؟
الموقف الشرعي من الحادثة والإعلام
التعامل مع الأخبار: أمر الله بالتبين
إخواني، لقد وجهنا الله سبحانه وتعالى للطريقة السليمة في التعاطي مع الأخبار، إذ قال عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}.
والله لئن اتهمنا المجاهدين بجهالة وأسلمناهم، لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيراً وقالوا هذا إفك مبين. هم منا ومن أنفسنا، بل خيرتنا. فالأصل في أي خبر ضدهم أن نقول: هذا إفك مبين. إن كان الله عز وجل قد أنزل هذه الآية بمناسبة اتهام مؤمن ومؤمنة، فكيف باتهام المجاهدين كلهم في هذا الوقت العصيب؟
حسن الظن بالمجاهدين
نحن نتغنى دوماً بالآيات والأحاديث التي تبين فضل الجهاد وشرف المجاهد عند الله. ماذا استفدنا منها إن كانت لا تدعونا إلى إحسان الظن بإخواننا والدفاع عنهم؟ هم ليسوا معصومين، لكنهم أولى الناس بأن نحبهم ونثق بأن أكثرهم على خير، وأن ندافع عنهم.
من الفاعل؟
إذن من الفاعل؟ من الذي قتل الصبي؟ لا نستطيع أن نجزم بشيء، لكن نذكر بمسألة مهمة جداً وهي اندساس عناصر من جيش بشار وآخرين مدربين في دول جوار في صفوف الثورة، متظاهرين بالمظهر الإسلامي بهدف تشويه سمعة المجاهدين. وقد رصدت هيئة غياثة سوريا والفصائل المجاهدة العديد من هؤلاء. ولا شك أن المتآمرين على الثورة السورية قد تعلموا من درس الجزائر أن هذه أقوى طريقة في محاربة المجاهدين وتنفير الناس عنهم: الزج بعناصر ملتحية مندسة تقتل الناس وتقترف الجرائم وهي تكبر.
طيب، افترض أن من قام بها أناس ينتسبون للجهاد بالفعل، حينئذ فهؤلاء إثمهم على أنفسهم، {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ}. هل يبرر لنا هذا أن نتبرأ من المجاهدين كلهم؟ لماذا نمارس هذا التعميم مع المجاهدين بالذات، بينما لا نراه عدلاً مع أحد غيرهم؟
تصور يا أخي معي أن أتراك غير متدينين دخلوا سوريا دفاعاً عن أهلها وأبلوا في ذلك بلاء حسناً لسنوات، لكن فرقة منهم قامت بعمل منفر. أظن لو أن أحداً أطلق تعميماً وقال: "الأتراك مجرمون إرهابيون"، لهاجمناه وقلنا له: "أنت مجنون! أين إنصافك؟ تركت عملهم كله وركزت على مجموعة لا تمثل إلا نفسها". لماذا لا نمتلك هذا المنطق نفسه في التعامل مع المجاهدين؟ أنجعل عدونا ينجح في تشويهنا نفسياً بحيث يصبح في كياننا مجهر نعمم به أخطاء من انتسب إلى الجهاد؟
الجهاد روح الأمة
قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ}. قال أهل العلم في تفسيرها: أي الجهاد، فبدونه تموت الأمة. أمتنا التي تاهت في دهاليز البعثية والقومية والديمقراطية أجيالاً عديدة، ماذا بقي لها من أجل نهضتها وتحررها وعزتها وكرامتها وخير دنياها وأخراها إلا أن تحتضن المشروع الجهادي ويصبح مشروع أمة تنتفض وتستعلي على العبودية لغير الله عز وجل؟
لذا، فعندما ندافع عن الجهاد فهذا ليس دفاعاً عن أجندة غريبة خاصة بجماعة ما، هذا دفاع عن روح الأمة. فليس لدينا خيار التخلي عنها. هل يستطيع أحد أن يستغني عن روحه التي بها يحيا؟ إن استغنيتم عباد الله عما وصفه الله بأنه يحييكم، فحينئذ حياة الذل، وتركتم الجهاد في سبيل الله، سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه عنكم. أين شعار "الموت ولا المذلة" يا عباد الله؟
خاتمة وتوصيات
مهمتنا يا إخواني أن ننقي الجهاد مما علق به ومن المندسين إليه ممن يشوهون سمعته. أما إن تركناه وكانت الدنيا أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله، {فَتَرَبَّصُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ}. نعرض أنفسنا لسخط الله عز وجل إذا ظلمنا المجاهدين وعممنا الأخطاء عليهم وخذلناهم وأسلمناهم لعدونا وعدوهم، فليسوا هم الخاسرين بل نحن. فهم موعودون بإحدى الحسنيين: النصر أو الشهادة. أما نحن فلنا حينئذ {فَتَرَبَّصُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}.
إذن أخي في الله وأختي في الله، فلنتعامل مع الأخبار بإنصاف وكما أمر الله: التبين وإحسان الظن بالمسلمين وخاصة المجاهدين، وأن لا تحمل وازرة وزر أخرى، وأن نعلم أن خذلان المشروع الجهادي ليس خياراً أصلاً، فهو روحنا. المشروع الجهادي هو روحنا. ولنركز هذه القواعد الربانية في قلوبنا، وإلا فحتى لو اقتنعت بكلامي الآن فإنك ستعود للاضطراب وتصديق الإعلام مع كل شبهة يلقيها، وتضيع في ذلك الطاقات بدل أن تنصرف لنصرة المستضعفين ورد المتآمرين.
أسأل الله أن يجعلنا ربانيين ويرحم أمة محمد ويجعلنا أداته تعالى في نصرة دينه. والسلام عليكم ورحمة الله.
[No continuation needed, the previous response completed the entire transcript.]