→ عودة إلى كن عزيزا بإسلامك

الحلقة 8 - وباء الآراء

٢٤ يونيو ٢٠٢١
النص الكامل للمقطع

السلام عليكم ورحمة الله،

نستعرض معكم اليوم أيها الكرام أمثلة عمليّة من مركزية الإنسان في بلاد المسلمين، لنصحح هذا الخلل الذي أصاب الوعي المسلم عبر السنين. مع التذكير بأن مركزية الإنسان التي نذكرها ما هي إلا حلقة وصل إلى العبودية للشيطان.

فقد بيّنّا في الحلقة الماضية أن الإنسان إذا تخلّى عن مركزية الخالق وردّ الأمر إليه بدافع تحقيق الرغبات والمصالح، أو بدعوى تحقيق الحرّية والمساواة، فإنّه يقع في النهاية في العبودية للشيطان.

تعالوا نرى نماذج من حلقة الوصل ما بين العبودية للرحمن والعبودية للشيطان، نماذج من مركزية الإنسان في القوانين التي تسنّ في دول المسلمين، بل وفي حياة عموم المسلمين.

أمثلة عملية لمركزية الإنسان

إهانة الشعور الديني

من الأمثلة الصارخة على تغييب مركزية الخالق من حياة المجتمعات المسلمة، العقوبة القانونية على سب الله تعالى أو كتبه أو رسله أو دينه، يعني سب المقدسات الحقيقية.

في عامة دول المسلمين تجد النص القانوني مثل: "يعاقب بالحبس كذا أو بغرامة كذا من تفوه في مكان عام وعلى مسمع من شخص آخر بكلمة أو بصوت من شأنه أن يؤدي إلى إهانة الشعور أو المعتقد الديني لذلك الشخص".

إذن فالمشكلة حسب القانون ليست في سب الله تعالى أو الاستهزاء بدينه، وإنما المشكلة هي فقط إيذاء الشعور الديني لشخص ما. ولو افترضنا أن شخصا سبَّ الله ورسوله بأقدع الألفاظ في مكانٍ عام، ولم يشك أحدٌ من المارَّة من إيذاء شعوره الديني، فلا عقوبة لهذا الشخص.

يعني لا قداسة في هذه القوانين لله تعالى، ولا لكتبه، ولا توقير لرسله، ولا لدينه. المهم أن لا يُجرح شعور الإنسان. هذا ونحن نتكلم عن حق الله تعالى خالقنا وخالق السماوات والأرض، الذي وصف من قالوا ما لا يليق به دون قصد السب الصريح.

وبالتالي فإذا قلت لعابد بقرٍ من العمال الموجودين في بلدٍ من البلدان: "بقرتك هذه بهيمةٌ لا تضر ولا تنفع"، فتأذَّى شعوره الديني، فله أن يقاضيك بالقانون نفسه. وساب الله وساب البقرة في العقوبة سواء.

وطبعا في دول المسلمين نفسها هناك عقوبات قانونية مغلَّظة على مجرَّد سبِّ أو انتقاد بعض المسؤولين الذين يمنحهم القانون قداسة ذاتية، بحيث يعتبر انتقادهم جريمة بحد ذاتها، بغض النظر هل آذى ذلك شعور أحد أم لا، بل ربما عبَّر هذا الانتقاد عما في نفوس الناس. وكذلك ما يعتبرونه رموزاً وشعارات للدولة تقدس بالقانون ويجرم منتقصها، بغض النظر عن إيذاء شعور أي أحد أو عدم إيذائه.

التصويت على أحكام الله تعالى

ثانياً من أمثلة مركزية الإنسان: التصويت على أحكام الله تعالى. كثيراً ما يُطرح موضوع حكم الله فيه بقول فصل، ومع ذلك يُطرح لإبداء الآراء والتصويت، سواء في المجالس التشريعية أو البرامج الحوارية أو المحاضرات الجامعية أو منصات التواصل أو الاستفتاءات العامة.

  • ما رأيك بالقصاص بقتل القاتل؟ مع أم ضد؟
  • ما رأيك بزواج المسلمة بغير المسلم؟
  • ما رأيك بحقوق المثليين؟
  • ما رأيك بالقوامة؟ هل بالفعل يجب أن تكون للرجل؟
  • ما رأيك في الحسد، الجن، السحر، خرافة أم حقيقة؟
  • ما رأيك بشكل النظام الذي على المجتمع تبنيه؟ الشريعة أم كذا أو كذا؟
  • ما رأيك بالإجهاض القانوني؟ القانوني حق للمرأة أم قتل للروح؟

كل هذه التساؤلات لا تتم على قاعدة مرجعية الشريعة وأنه لا اجتهاد ولا تصويت في مورد النص، بل على أساس إتاحة المجال لجعل البشر يصوتون على حكم الله. وهناك قنوات لدول غربية ناطقة بالعربية تركز على طرح هذه الأسئلة للتصويت لهز هيبة القرآن والشريعة وجعلهما محل تداول وجدل.

مبدأ هذه التصويتات أن القول يكتسب شرعية بكثرة المختارين له، حتى وإن كان في ذاته سخيفاً لأنه كفر صريح بأحكام الله، بينما أمر رب العالمين يفقد قيمته في هذه التصويتات إذا لم يجد من يؤيده.

مجرد قبول المسلمين بأن يصوت على هذه الأمور هو وقوع في الفخ، وواجبهم استنكار هذه التصويتات وبيان فسادها. فتوجيه هذه الأسئلة لمجتمع مسلم في عمومه هو تناقض، فكأن صاحب السؤال يقول: "أنت كمسلم أسلمت أمرك لله وعلمت أنه قال: {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا}، ما رأيك كمسلم فيما يجب ألا يكون لك فيه رأي؟"

ما رأيك كمسلم فيما يجب ألا يكون لك فيه رأي لأن الله حكم فيه؟ طبعاً قد يعصي المسلم ويقصر ويذنب، لكن مع ذلك يكون مقراً بمرجعية الشريعة وأنها الحق المبين وما عداها باطل. أما هذه التصويتات فهي تجعل كون الشريعة حقاً موضع تساؤل، كأنها تقول: "الله قال: {ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير}، ما رأيكم؟ هل بالفعل الله يعلم أم لا يعلم من خلق؟ هل الله بالفعل لطيف خبير أم ليس لطيفاً خبيراً؟" والعياذ بالله.

الحجاب حرية شخصية

ثالثاً من أمثلة مركزية الإنسان المفضية إلى مركزية الأهواء ثم الشيطان: عبارات مثل "الحجاب حرية شخصية". بعض دول المسلمين يسن فيها المسؤولون قوانين تضيق على المحجبة، أو تتكلم قنواتٌ إعلامية عن الحجاب بطريقةٍ خبيثة. حقًا مطلقًا حاكماً مهيمناً على حياة الناس.

فنقول لهم على سبيل المحاججة والإلزام: أنتم تدّعون أن القيمة العليا عندكم هي الحرية. فحسب مبدأكم هذا فالحجاب حريةٌ شخصية. فلماذا تسمحون بكل شيء إلا الحجاب؟ إذن فأنتم كاذبون متناقضون في دعواكم.

فرق كبير بين هذا الخطاب، وفي المقابل أن تصبح هذه هي لغة الخطاب بين المسلمين الذين يفترض أنهم أسلموا لله في كل شؤون حياتهم واعترفوا بأن الحكم له. أن يرفع شعار "الحجاب حرية شخصية" في مواقع تواصلهم وتجمعاتهم كأنه حق نؤمن به.

هذا الشعار بهذا السياق مستند إلى مركزية الإنسان واختياره وأهوائه. وعليه فليس للمسلمين أن يستنكروا التبرج في المقابل، بل وقد يعتبر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في ذلك تعدياً على الحرية الشخصية.

بينما الحجاب في حقيقته هو تشريع مستمد من مركزية الخالق، والحث عليه أمر بالمعروف، والنهي عن التبرج نهي عن المنكر. وهذا كله من واجبات المجتمع المسلم، فهو ليس جزءاً من العادات والتقاليد ولا أن المرأة تقوم فيه بهواها، بل هو عبادة تستحضر فيها النية وتورثه للأجيال على أنه عبادة وطاعة وقربة لله رب العالمين.

وعلى هذا فقس كل الشعائر التي تطرح على أنها من الحريات وهي في حقيقتها أوامر ربانية. فشعارنا كمسلمين: {إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون}. و {ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون}.

خاتمة

ولنتذكر ختاماً: {يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد}. أنت المستفيد حين تجعل المركزية له سبحانه، فتمسك بهويتك وكن عزيزاً بإسلامك. والسلام عليكم ورحمة الله.