→ عودة إلى نصرة للشريعة

الحلقة 4 - عن أي تدرج نتكلم؟مهم لمتابعي سلسلة نصرة للشريعة

٢٤ مارس ٢٠١٢
النص الكامل للمقطع

السلام عليكم ورحمة الله.

عن أي تدرج نتكلم؟

هذه الشواهد تدرجاً، ويستدلون بها على صحة التدرج المطروح، وكأنني برفض التدرج أخالف هذه الشواهد التي يأتون بها. بتفصيل وتوضيح أكثر، مجمل ما يريده الإخوة من شواهد ويعتبرونه دليلاً على التدرج، إما أنه في الواقع دليل على ترتيب الأولويات في عرض الشريعة وبيانها للناس، أو دليل على وقف لحكم شرعي معين عملاً بالشريعة، لأن شروط هذا الحكم لم تتحقق بعد، فواجب العمل بحكم آخر.

ترتيب الأولويات في عرض الشريعة

أما ترتيب الأولويات في عرض الشريعة وبيانها، فكاستدلالهم بإرسال النبي صلى الله عليه وسلم معاذاً إلى اليمن وتوجيهه أن يدعو الناس إلى الشهادتين أولاً، ثم الصلاة، ثم الزكاة.

وقف الحكم الشرعي عملاً بالشريعة

وأما وقف الحكم الشرعي عملاً بالشريعة، فكوقف حد السرقة في حق السارق الجائع الفقير، أو كإسقاط بعض أشكال إنكار المنكر عن الحكومة الإسلامية لعجزها عنه وعدم قدرتها على القيام به.

إخواننا يسمون ذلك تدرجاً، ثم يستدلون به على صحة التدرج المطروح في الساحة الإسلامية. فتوضيحاً لإخواني، أود أن أبين أني لا أنكر أياً من هذه الأمور الثلاثة، بل سأبين مشروعيتها في الحلقات القادمة بإذن الله. أنا لا أقول أن على الدولة الإسلامية الناشئة أن تبني المجتمع بناءً إسلامياً في اليوم الأول، وتقضي على المنكرات كلها بجرة قلم، وتدخل في صراع على كل الجبهات دفعة واحدة.

التدرج غير الشرعي ومشاكله

لكنني في الوقت ذاته أقول: كل ما يطرحه إخواني ليس دليلاً على التدرج غير الشرعي الذي ينادى به هذه الأيام. لأن التدرج المطروح والذي ننتقده ونقول بعدم مشروعيته في هذه السلسلة، قد تحقق فيه واحد أو أكثر من المشاكل الكبيرة التالية:

  • لا تُعلن فيه السيادة للشريعة بحيث تعتبر المرجعية العليا الحاكمة على القوانين من البداية.
  • أو يُستأذن فيه مجلس الشعب في تطبيق الشريعة.
  • أو تُقر فيه مرحلياً قوانين وضعية مخالفة لأحكام الشريعة.
  • أو تُنفذ فيه قوانين مخالفة لأحكام الشريعة موروثة من الحكم غير الإسلامي.
  • أو يُقال فيه بالتدرج في التشريع، وكأن الشريعة تتنزل من عند الله تعالى من جديد.
  • أو يُربط فيه تطبيق الشريعة بحل مشاكل الناس الاقتصادية أو الأمنية أولاً.
  • أو يُقال فيه أن علينا ترسيخ العقيدة والأخلاق الإسلامية لدى الناس قبل تطبيق الشريعة، وتمنعهم من تطبيق الشريعة إن وصلوا إلى الحكم.

هذه هي المشاكل في التدرج المطروح الذي ينادى به، وسنفرد حلقة خاصة لبيان عدم مشروعية كل منها بإذن الله تعالى.

منهجية النقاش والرد على الشبهات

تبقى هنا نقطة مهمة: موضوعنا هذا ضخم ومتشعب للغاية، فلا بد من تفكيكه لعناصر صغيرة للرد على الشبهات واحدة تلو الأخرى، ومن ثم بيان الحل الشرعي الذي على الأمة أن تنتهجه. وأنا الآن أسير بخطة معينة لذلك، فأتمنى على إخواني الذين يريدون الاعتراضات أن يناقشوا الجزئية التي أطرحها تحديداً، بدلاً من أن يستعجل الأمور بإيراد شبهة جديدة.

فمثلاً في الحلقة الأولى بينت أنه لا يمكن حل مشاكل المجتمع قبل تطبيق الشريعة. هل هناك خلاف على ذلك؟ أتوقع ممن سيناقشني أن يناقش هذه النقطة بالذات، بأن يقول لي مثلاً: ما أوردته من أدلة لا يشهد لصحة استنتاجك، بل هناك ما يدل على أنه يمكن حلها قبل تطبيق الشريعة. لكن إخواني يتركون هذه النقطة ويقولون: عمر رضي الله عنه عطل حد السرقة عام المجاعة. إخواني هذه شبهة أخرى تماماً سيأتي دورها إن شاء الله. إن ناقشتها مع المعترض على شكل رد مجتزئ مبتور، فلن نوفي الموضوع حقه، وسيختل الترتيب ويخرج القطار عن السكة.

كذلك في الحلقة الثانية بينت أن القول بحل المشاكل قبل تطبيق الشريعة فيه غض من قيمة الشريعة، فإن حكم بأحكام موافقة للشريعة في بعض ذلك، فهو في المقابل سيحكم بغير ما أنزل الله في البعض الآخر. أتوقع من المعترض أن يناقش هذه الجزئية بالذات، وعندئذ الرد سيكون جاهزاً بإذن الله تعالى.

إخواني بغير ذلك لن نصل إلى عرض مرتب متكامل مؤسس على أسس صحيحة. وللمستعجلين جداً أقول: كنت قديماً قد خطبت في سلسلة بعنوان "فقه التنازلات"، والسلسلة موجودة على موقع الفرقان. فللأخ المتعجل أن يرجع إليها، وإن كانت لا تغطي جميع ما أود عرضه، لكنها قد تطمئنه إلى أن هناك جواباً لما يورد من شبهات.

إخواني، الموضوع متعلق بأزمة الأمة وسبيل خلاصها وتحقيق عبوديتها لله بإخضاع الحياة لشرعه. المسألة متعلقة بسعادة الدارين، تستحق منا بذل جهد وطول نفس. بارك الله فيكم.

خطة الحلقات القادمة والخلاصة

فخطتنا المرحلية للحلقات القادمة بإذن الله أن نوضح أولاً أن ما يطرحه إخواننا المدافعون عن التدرج هو في الحقيقة الدليل على ترتيب الأولويات في بيان الشريعة، أو سقوط أحكام شرعية معينة والعمل بأحكام شرعية أخرى من الشريعة، وليست أدلة على التدرج الذي يدافعون عنه. ثم نبين نقاط الخلل في التدرج المطروح نقطة نقطة بإذن الله.

الخلاصة: ما يورد من أدلة على التدرج المطروح في الساحة ليست أدلة عليه. وإلى لقاء قادم في الحلقة القادمة بإذن الله. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.