→ عودة إلى كن عزيزا بإسلامك

الحلقة 10 - إجابة عن تساؤلات واعتراضات على سلسلة كن عزيزا بإسلامك

٢٩ يونيو ٢٠٢١
النص الكامل للمقطع

السلام عليكم ورحمة الله، أيها الكرام.

منذ انطلقت سلسلة "كن عزيزًا بإسلامك"، جاء الكثير من التعليقات أن هذه السلسلة تشعرنا بالعزة بإسلامنا، وتزيل من صدورنا حرجًا كنا نعانيه، والحمد لله. وفي الوقت ذاته أبدى بعض الإخوة اعتراضات واستفسارات، وهذا جيد أن يكون لدى الإخوة المتابعين نقد ومراجعة، وأن لا يسلِّموا للعبد الفقير، فكلٌّ يؤخذ منه ويرد إلا نبينا صلى الله عليه وسلم.

أبرز الاعتراضات والاستفسارات

أبرز الاعتراضات كان حول ست نقاط:

  1. مركزية الخالق.
  2. الحديث عن تهنئة الكفار المسالمين بأفراحهم.
  3. الحديث عن اتباع جنائزهم.
  4. قولي أن المسلم يرحم الكافر.
  5. إنكاري لفكرة التصويت على أحكام الله وأنها ليست قابلة للنقاش، فاعتبر البعض ذلك قولبة للمسلمين ومنعًا لهم من التفكير.
  6. إنكاري لمقولة "نحن كفار في دينهم وهم كفار في ديننا".

فأود أن أناقش هذه النقاط معكم واحدة واحدة.

منهجية إعداد المحتوى

بداية أحب أن تطمئنوا أيها الأحبة إلى أني أرجع في حلقاتي إلى أناس من أهل العلم، فأنا لا أقدم نفسي على أني عالم مجتهد في مجال العقيدة أو الفقه. وبما أن الطرح الذي أقدمه فيه نوع من الجدة أحيانًا، وطريق الطرح جديدة، وتنزيل الآيات على الواقع، فأنا أسأل أهل العلم قبل أن أطلع بهذه المواد على الناس، خاصةً وأنني أطمع في أن يمتد نفعها طويلاً بإذن الله، ولا أتحمل أن تكون فيها أخطاء كبيرة أتحمل وزرها لا قدر الله. فهذه الحلقات محسوبة كلمة كلمة، وأستشير فيها أهل العلم باستمرار.

النقطة الأولى: مصطلح مركزية الخالق

وجه الاعتراض من بعض الإخوة أن الله تعالى لم يصف نفسه بهذا الوصف ولا وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم.

اعلموا بداية يا كرام أن باب الإخبار عن الله تعالى أوسع من باب الأسماء والصفات. فتجد في كلام السلف أن الله تعالى غياث المستجيرين وأمان الخائفين وواصل المنقطعين، لكن هذا لا يعني أننا نسمي الله تعالى "الأمان" أو "الغياث" أو "الواصل"، ولا يتسمى أحد مثلاً باسم عبد الأمان أو عبد الغياث أو عبد الواصل.

لكن النقطة الأهم إخواني في موضوعنا أن مصطلح "مركزية الخالق" ليس من باب الأسماء والصفات أصلاً، لأنه متعلقٌ بفعل المخلوق لا بوصف الخالق. مرة أخرى، مصطلح "مركزية الخالق" ليس من باب الأسماء والصفات، لأنه متعلقٌ بفعل المخلوق لا بوصف الخالق، يعني العبد يمركَزُ حياتَه حول هذا المعنى، لا أننا نصفُ الله تعالى بأنه المركز!

وللعلم كنت أريد استخدام مصطلح "مركزية الله"، فاقترح عليّ اثنان ممن استشرتهم من أهل العلم أن أجعلها "مركزية الخالق" للحفاظ على خصوصية لفظ الجلالة، ومع أني لا أرى الفرق إلا أني وقفت عند قول أهل العلم احتراماً لعلمهم. فمصطلح "مركزية الخالق" لم أذكره إلا بعد إقرار عدد من أهل العلم لجوازي استخدامه.

النقطة الثانية: تهنئة الكفار المسالمين بأفراحهم

التساؤل الثاني ورد في حلقة "أجندات المسلمين الخفية" أننا نقول للكافر المسالم: "ما دمت غير محارب فإني أتقرب إلى الله بعيادتك إذا مرض (يعني زيارتك إذا مرض)، وقبول هديتك والإهداء لك، وتهنئتك في الأفراح، وتعزيتك في الأحزان، وقبول دعوتك، والدعاء لك بالهداية، واتباع جنازتك إذا مت".

فتساءل بعض الإخوة: قولك "تهنئتك في الأفراح" هل يشمل تهنئة الكفار بأعيادهم الدينية؟

فالجواب طبعاً لا، ولذلك لم أقل "بالأعياد" وإنما "بالأفراح". ممكن تقول له أيضًا: "وفَّقك الله لما فيه خير الدنيا والآخرة"، حتى لا تخلو تهنئتك من دعوة أيضًا أن يهديه الله.

قال النووي رحمه الله في "الأذكار": "اعلم أنه لا يجوز أن يدعى له بالمغفرة وما أشبهها مما لا يقال للكافر، لكن يجوز أن يدعى له بالهداية وصحة البدن والعافية وشبه ذلك".

وفي الحديث الصحيح: "كان اليهود يتعاطسون عند النبي صلى الله عليه وسلم" يعني يتعمدون العطاس، يفتعلون العطاس، يرجون أن يقول لهم: "يرحمكم الله". ماذا يقول لهم النبي عليه الصلاة والسلام؟ يقول لهم: "يهديكم الله ويصلح بالكم". ألفاظ مشروعة، لأنه لا يجوز الاستغفار لكافر.

أما الأعياد الدينية، فقد وضحت مرارًا وتكرارًا حرمة تهنئة الكفار بها بالتفصيل.

النقطة الثالثة: اتباع جنائزهم

التساؤل الثالث قالوا: "أنت قلت يا إياد أننا نقول للكافر غير المحارب، أتبع جنازتك إذا مت، كيف نتبع جنازتك وقد يكون فيها طقوس دينية؟" قد يكون فيها طقوس دينية.

فأقول يا كرام، أما إذا كان فيها طقوس دينية شركية فلا يسع المسلم أن يشهد الشرك ويبقى ساكتاً، بل يعتزل حينئذ. وأما إن لم يكن فيها طقوس شركية فهناك خلاف في الموضوع، في موضوع اتباع جنازة الكافر غير الحربي.

فمنهم من جوّزها مستدلاً بأمر النبي صلى الله عليه وسلم لعلي أن يواري أبا طالب. وبما ورد عن ابن عباس أن شخصاً كانت أمه نصرانية أو يهودية فأمره بمثل ذلك. وفي فتاوى شبكة الإسلام فتوى تفصيلية نضع لكم رابطها في التعليقات.

ومما ورد فيها باختصار قالوا: "فإن اتباع جنازة الكافر لم يرد فيها دليل قطعي، وإنما ورد الدليل القطعي في حرمة الصلاة عليه والدعاء له، وهو محل إجماع".

واستدل من قال بحرمة اتباع جنازة الكافر بأن ذلك يشبه الصلاة عليه. وذهب بعضهم إلى جواز الاتباع (يعني اتباع جنازة الكافر) واستدلوا على ذلك بآثار عن السلف الصالح من الصحابة والتابعين، منها أن عدداً من الصحابة رضوان الله عليهم اتبعوا جنازة أم الحارث ابن أبي ربيعة وكانت نصرانية.

فقد روى الإمام محمد بن الحسن الشيباني في كتاب الآثار قال: "أخبرنا أبو حنيفة عن حمد عن إبراهيم أن الحارث ابن أبي ربيعة ماتت أمه النصرانية فتبع جنازتها في رهط من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم". قال محمد: "لا نرى باتباعها بأساً، لا نرى باتباعها بأساً، إلا أنه يتنحى ناحية عن الجنازة" يعني ما يكون في ركب الجنازة. قال: "وهو قول أبي حنيفة". وهذا الأثر يا إخواني عند ابن أبي شيبة وعبد الرزاق كما في الفتوى أيضاً.

لكن يا كرام الحق أن الأفضل في مثل هذا المقام تجنب الأمور الخلافية أو على الأقل بيان أنها خلافية. وبما أن المسألة فيها خلاف معتبر بين أهل العلم، فقد فضلت أن نحذفها من الحلقة. الآن إذا رجعت الحلقة على اليوتيوب ستجدني قد حذفت عبارة "واتباع جنازتك إذا مت"، لأنه كما ذكرت لحضراتكم يهمني أن تبقى هذه المادة أدق ما يمكن وينتفع بها المسلمون عبر الأجيال بإذن الله تعالى.

النقطة الرابعة: المسلم يرحم الكافر

التساؤل الرابع كان على شكل اعتراض، والكفار هنا على العموم سواء المحاربين وغير المحاربين.

فنقول يا كرام منهج أهل السنة جمع الأدلة لا ضرب بعضها ببعض. الله تعالى القائل في وصف المؤمنين: {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح: 29]، هو سبحانه القائل: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107]، للعالمين أي عموم.

تريد أكثر من ذلك؟ وانظر إلى قول نبينا صلى الله عليه وسلم: "ارحموا من في الأرض"، "ارحموا من في الأرض" من ألفاظ العموم أيضاً.

والله تعالى قال: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [المائدة: 5] يعني حلال لكم الزواج بهن على تفصيل في الخلاف على الزواج وشروطه، لكن محل الشاهد أن الله تعالى قد قال أيضاً: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم: 21]. فالكتابية اليهودية أو النصرانية تدخل في وصف "أزواجاً"، ولا يتصور زواج سوي دون رحمة.

لأجل هذا كله فالمؤمن يرحم الخلق. قال ابن تيمية في رده على البكري: "وأئمة السنة والجماعة وأهل العلم والإيمان فيهم العلم والعدل إلى أن قال: ويرحمون الخلق فيريدون لهم الخير والهدى والعلم، لا يقصدون الشر لهم ابتداءً، بل إذا عاقبوهم وبينوا خطأهم وجهلهم وظلمهم كان قصدهم بذلك بيان الحق ورحمة الخلق، كان قصدهم بذلك بيان الحق ورحمة الخلق".

هذا الكلام ينطبق على المبتدع، ينطبق على أوساط المسلمين، وينطبق على الكافرين. وإذا كان هناك تخصيص على ذلك، فالأولى تخصيص "أشداء على الكفار" بالكفار المحاربين. علماً أيضاً بأن موضع الشدة لا يتعارض مع موضع الرحمة، فلكل منهما موضعه وحالته. وأعظم ما ترحم به الكفار دعوتهم إلى الإسلام إشفاقاً عليهم من ضلال الدنيا وعذاب الآخرة.

طيب ماذا عن {رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ}؟ بالمؤمنين رؤوف رحيم، لماذا خصصت الآيات الرحمة بالمؤمنين؟ لأنه لا شك يا كرام أن رحمتك بالمؤمن أعظم من رحمتك بالكافر، فالمؤمن له منا رحمة خاصة بالإضافة إلى رحمتنا العامة نحن المسلمين بالخلق مؤمنهم وكافرهم. ولله المثل الأعلى.

انظر إلى قول الله تعالى: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ} [الأعراف: 156]. فهناك رحمةٌ عامةٌ للخلق، ورحمةٌ خاصةٌ للمؤمنين.

النقطة الخامسة: التصويت على أحكام الله

خامسًا، حلقة "رأيك أم حكم الله؟" وذكرت فيها أنَّ هناك أمورًا حكم الله فيها بحكمٍ فصل، وبالتالي فلا يُقبل أبداً طرح هذه الأمور على المسلمين للتصويت. فهم بعضُ الإخوة من الكلام أني أحذِّر من مناقشة الأحكام الشرعية، وحكمتها، وأدلتها، والشبهات التي قد تُثار عليها.

وقال أحدُ الإخوة: "إذا قمنا بتبني الاستراتيجية التي ذكرتها في الفيديو، فسنحول المسلمين إلى قطع شطرنج لا تفهم ولا تعقل، وهذا سيضعف العقل من ناحية التفكير وإقناع الآخرين بالدين".

فأقول للإخوة: أنتم لم تفهموني إذن. فمناقشة الأدلة والرد على الشبهات وتنمية الفكر الناقد والحصانة الفكرية، وكذلك تأمل الحكم من التشريع الإسلامي، هذا كله مما نقوم به عبر السلاسل المختلفة. بعض الطلاب مثل دور المؤيد والآخرون دور المعارض للحكم الشرعي من قبيل التمثيل، من قبيل التمثيل. وكان دوري في إدارة النقاش والتعقيب عليه أن أبين لكل فريق أين الأخطاء التي وقع فيها الفريق الذي يمثل أنه يرفض الحكم الشرعي، إما لأنه يرى أنه لا دليل من الشريعة عليه وبالتالي هو أصلاً ليس الحكم الشرعي، أو أنه حتى وإن كان من الشريعة فلا يناسب روح العصر. والفريق الذي يدافع الحكم الشرعي بيّنت لكل ما في منطلقاته من خلل، وحتى المدافعون بيّنت لهم ضعف بعض حججهم. كل هذا تهيئة للطلاب إذا واجهوا هذه التشكيكات في الحياة العملية ليكونوا قادرين على الرد عليها ويمتلكوا الحصانة الفكرية والعقدية تجاهها.

فعلى العكس نحن نستثير الفكر ولا نريد للمسلمين أن يقلدوا دون وعي، خاصة عندما يغلب على الظن أنهم سيتعرضون لمثل هذه الشبهات. ولو كان هناك أشخاص مؤهلون لإدارة هكذا مناقشات لشجعت على نشر الفكرة، لكن حقيقة إذا لم يكن مدير النقاش مؤهلاً فقد تعطي نتيجة عكسية ولا تظهر حجج الحق في هذه المسائل.

هذا كله مختلف تماماً عن موضوع حلقة "رأيك أم حكم الله". في تلك الحلقة كنت أستنكر تماماً أن تطرح أحكام الله على المسلمين ليصوتوا عليها أيقبلونها أم يرفضونها. المسألة في تلك الحالة ليست تعليماً وتحصيناً فكرياً ولا تأملاً للحكمة ولا مقارنة بين الأدلة للوصول إلى مراد الله، بل تحكيماً لأهواء الناس في شريعة الله. وهذا تناقض لأنه يعارض كونهم مسلمين أصلاً، هذا تناقض مع إسلامهم. إذا كان هناك شك لدى بعض المسلمين فإننا نناقشهم بالحجة والبرهان، لكني لا آتي لمسلم فأقول له: "ما رأيك؟ هل تختار أمر الله؟ أم أن هذا الأمر ليس صواباً وعلينا أن نجد الحق في غيره؟"

النقطة السادسة: نحن كفار في دينهم وهم كفار في ديننا

سادساً يا كرام وأخيراً في حلقة "أجندات المسلمين" قلتُ مستنكراً، أو تجدوا بعضَهم يطلق عبارة "نحنُ كُفَّارٌ في دينهم، وهم كفَّارٌ في ديننا"، قاصداً بها أن لَفْظَ الكفْرَ لا يعيِّبُنا ولا يعيِّبهم وكأننا سواء. قاصداً بها أن لَفْظَ الكفْر لا يعيِّبنا ولا يعيِّبهم وكأننا سواء. فهم بعضُ الإخوة أن العبارةُ "نحنُ كُفَارٌ في دينهم وهُم كُفَّارٌ في ديننا" خطأٌ على كلِّ حال، وبغض النظر عن السياق.

فنقول لا يا كرام، ولهذا حددت بقولي: "قاصداً بها أن لفظ الكفر لا يعيبنا ولا يعيبهم وكأننا سواء". يعني هذا قول المنكر لما يستخدم للإشعار بنسبية الحق، وكأننا كمسلمين تنقصنا الحجة على صحة ديننا كما تنقص الآخرين. نحن عندهم كفار وهم عندنا كفار ومحدش عنده دليل ومحدش داري حاجة. هذا الكلام باطل.

بينما قد تستخدم هذه العبارة ذاتها في سياق آخر فتقول: "وهل تظن يا من تجامل الكفار أنهم يتورعون عن تسميتنا كفاراً؟ بل نحن كفار في دينهم الباطل كما هم كفار في ديننا الحق". وحينئذ فالمعنى سليم لا إشكال فيه.

الختام

ختاماً أعود فأقول جزا الله الإخوة خيراً على التدقيق وعدم التقليد، وهذا ما نريده أن ندور مع الحق حيث كان ولا نسلم لأحد دون وعي. وأرجو أن أكون قد وفقت في التبيان، وما كان فيه من صواب فمن الله وله الحمد كله والفضل، وما كان من خطأ فمن نفسي ومن الشيطان وأستغفر الله. والسلام عليكم ورحمة الله.